recent
أخبار ساخنة

ريمة بلاد الولائم ومهرجانات البن والعلان

حسن الحسني
الصفحة الرئيسية

 💎ريمة 🇾🇪.. بلاد الولائم ومهرجانات البن والعلان🌾

👍من اجمل ما قرأت👌💥لن تمل من قراءته👍


👈الاستاذ القدير امين المقطري وكيل وزارة الادارة المحلية... ومن ارشيف الذاكرة اهدى الاعلامي ابراهيم العامري 👈 مقالا رائعا تم كتابته عام١٩٧٥ بعنوان 👇

🛤  الطريق الى جبال ريمة 1975

 سوق رباط النهاري ومرتفعات "الجبين"⛰️

✍️بقلم:طاهر عبدالحق..مانصه:👇

👌 شكل موقع مدينة المنصورية القريب من خط طريق تعز الحديدة سوقا هاما داخل السهل التهامي، ومكانا للعبور إلى الجبال الشرقية والى جبال ريمة،

 وخلف المنصورية وديان وتلال وروابي، وأرياف وقرى يسكنها أهل تهامة المشتغلون بتربية الأغنام والمواشي، وهم المزارعون الذين يفدون لبيع منتجاتهم إلى سوق المنصورية الاسبوعي يوم الوعد، 

كما يحضر إلى السوق سكان الجبال من ريمة وبرع القريبين من البلدة ويبيعون البن والحبوب والعسل والجلود والأغنام والابقار والاعلاف والكثير من الفواكه والخضروات.



وفي شمال شرق مدينة المنصورية تقع السخنة وهي المنطقة الأكثر شهرة في السياحة العلاجية ويؤمها الناس، يقصدون حماماتها الطبيعية البركانية الكبريتية

 الساخنة يأتون إليها من كل حدب وصوب وفيها قصر الأمام الملكي الذي ترك عرضة للإهمال والخراب.


وبالقرب من السخنة يرتفع جبل برع، أما جبال ريمة فقد كانت تشكل السلسلة الجبلية البعيدة المحتجبة خلف الغشاوة البيضاء من الأتربة والضباب.

وعندما وصلنا نحن الثلاثة المدرسين إلى المنصورية وبدأنا البحث عن مركبة مسافرة إلى "الجبين" مركز قضاء ريمة إستغرب الرجل الذي كان يجلس بجانبنا في المقهى،

 وقال لنا : 

لا توجد طرقات إلى جبال ريمة، وعليكم بالسفر إلى "سوق رباط النهاري" ومن هناك تختارون  الصعود في طريق القوافل القديم حتى بلوغ أعلى القمم، وقد تستغرق رحلتكم بين أربعة  إلى خمسة ساعات.


ونظرنا إلى بعضنا البعض وشعرنا أن رحلتنا يكتنفها الغموض والإثارة والمغامرة للوصول إلى "الجبين" ريمة. 

وكان المرحوم "محمد أحمد قائد" أكثر المبتهجين نشوة وسعادة ومحبا للمغامرة وتلك هي سجيته، وقال بسخرية نحن ذاهبون إلى مكان نعرف منه أسمه، وأشار إلى مقدمة صدعه إلى أعلى الحواجب وقال هذا هو "الجبين"" وعلل ذلك بالقول "الجبين" هو أعلى قمة في جبال ريمة، وبدد لدينا المخاوف بمرحه الدائم وتفائله في الحياة بلاحدود.


وأمام إحدى وكالات البن في سوق المنصورية تجمع المسافرين حول إحدى سيارات النقل وتقدم زميلنا "محمد أحمد عبدالجبار" يستعجل فينا الأمر ويشير لنا بالصعود إلى صندوق السيارة الخلفي مع الركاب المسافرين إلى سوق رباط النهاري، وقال لنا ابحثوا لكم عن موضع قدم بين تلك البضائع والسلع المكدسة الملقية بعبث فوق سيارة النقل. 

وتمسكنا بالهيكل المعدني الحديدي للسيارة جيدا وهي تتحرك وتدور حتى أتخذت وجهتها نحو الشرق. وكنا نحن المدرسين الثلاثة نسافر من المعلوم إلى المجهول إلى الأرض والجبال التي لم يسبق لنا اكتشافها أو مشاهدتها من قبل.


كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة والنصف عصرا حين ابتعدت السيارة عن مدينة المنصورية وبدأت تخوض في الأودية والسهول وكانت تتأرجح بشدة فوق طريق ترابي غير ممهد ويبذل قائد سيارة النقل جهودا غير عادية في تجاوز وعورة الطريق. 



وكانت المركبة تتوغل وتتقدم نحو الشرق، ومن خلفنا تبتعد الشمس نحو الغروب، واجسادنا تتمايل وتنتفض ونحن نبذل الجهود نتمسك بالهيكل المعدني للسيارة حتى لانقع. 


وبدأ التبدل المفاجئ في المناظر وكان مصدرا للدهشة، لقد كنا نسافر في منتصف شهر سبتمبر أيلول من عام 1975. وكانت أحراش الأشجار حول الأودية كثيفة وعيدان الذرة تتزاحم وسنابل الحقول من المحاجين تتمايل وتشكل اللون الأخضر الداكن.

وبدأنا نقترب من المرتفعات الجبلية وشكل ضوء الغروب جمالا فوق الجبال العالية ورسم ألوانا متباينة لدرجة الضوء والظل فوق الغطاء النباتي الأخضر الكثيف الذي يغطي الجبال ويغطي كل مكان يمتد من أمامنا.


وبعد ثلاثة ساعات ونحن نخوض في بحور من الدهشة، شاهدنا وسمعنا غدير الماء يتدفق في الوادي القريب من "سوق رباط النهاري" وكانت بساتين المانجو والعنبة الباباي والجوافة والليمون والموز قد تشكلت في ضفتي الوادي.

وقال زميلنا الجميل "محمد أحمد قائد" وهو غارقا في تأمله أن هذه البدايات هي بشارات الخير إلى جبال ريمة وبدأ يصدح ويغني ؛



إلا والله لسافر ثمان تتبع ثمان

إلا لما يقولوا طريق الخوف أمان


واستطرد يتحدث  قائلا : لاخوف ونحن نسافر إلى ريمة فكلها بلاد أمان، وتبدو منطقة يسكنها الهدوء ويعشقها الجمال.


وجَنَحْت سيارة النقل قليلا نحو اليسار وتجاوزت ضفة الوادي وغدير الماء ووقفت أمام دكان البقالة والذي كان يرتفع قليلا عن مجرى الوادي في سوق رباط النهاري.

 وهبطنا من على سيارة النقل وأشار لنا السائق يحدثنا سوف تقضون الليل  بجانب دكان "مهدي" وصاح ينادي صاحب الدكان قائلا هؤلاء ضيوفك الليلة، وغدا سيرحلون إلى "الجبين" مركز القضاء.


وفي رحلتنا الأولى إلى ريمة لم نكن نحمل أمتعة السفر من الحقائب وكنا نحتفظ بالقليل

 من الملابس وأغطية خفيفة للنوم وضعناها داخل أكياس قطنية.

وشعرنا بالحرارة وقيظ الصيف في الوادي وكانت الأجواء خانقة في تلك الليلة وحشرات البعوض وحشرات أخرى تحلق فوق رؤوسنا بكثافة.


ولا أنسى صوت خرير الماء والذي كان يتدفق إلى سوق "رباط النهاري" و شكل صخبا و ضجيجا ألهانا عن كل شيء، حتى كدت أنسى من اين نحن قادمون والى اين نحن ذاهبون.

 لقد كان غيل الماء يجري ويهوي من منطقة مرتفعة من أحد الوديان الاشبه بالاحراش والأدغال الذي يقع  في السفوح الجبلية القريبة أعلى السوق.


ومع حلول المساء وبعد صلاة المغرب إنتقلنا من أمام دكان البقالة إلى البيوت الواقعة فوق التلة المرتفعة عن الوادي، وكان "مهدي" يستقبل العابرون للسوق وطريق الجبل في الديوان الخارجي المستقل عن بيته ومحل سكنه.

 وكان للديوان شرفة تطل على الوادي مناسبة وملائمة للنوم وفيها يرفرف الريح وينسنس الجبل من وقت إلى آخر.

واستغرقنا في النوم حتى ساعات الفجر، واستيقظ زميلنا "محمد أحمد قائد" واثبا من مكانه يستعجل رحيلنا. وانتظرنا ماقدمه لنا مضيفنا من طعام الإفطار وكان الخبز الطازج بالعسل وقهوة القشر.


وأرشدنا "مهدي" إلى بداية الطريق القديم والتي كانت ترتفع من الوادي نحو المنحدرات والثغور الجبلية.

وقبل البدء في الصعود خلعنا ملابسنا وغطسنا نستحم ونسبح بين دراديش الماء العذب وشعرنا بالإنتعاش. 

وفي ذلك الوقت من الزمان كنا في السن المهيأة للقيام بالترحال. وبدأنا نرتفع من سوق رباط النهاري في طريق القوافل والذي كان مازال مشيدا ومعبدا منذ أن أقام صرحه الأجداد الأوائل.


وبدت الطريق في الوهلة الأولى سهلة الصعود ثم تحول امتدادها الافقي إلى مرتفعات عمودية حادة تأخذ استدارت كاملة لصعود الرواحل، وحين كنا نشعر أننا بحاجة إلى مكان للراحة نتوقف لبرهة قصيرة ونعاود الصعود. 


وعاشت ريمة لأزمنة طويلة بلدة ذات حكم ذاتي مستقل، محمية بالسلاسل الجبلية الوعرة وأهلها يدافعون ويقامون الغزاة المستبدون الطامعون بثروات الجبل، والذي اشتهر بتصدير البن في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر عندما راجت تجارته وازدهرت كما كان مصدرا هاما ينتج العسل والسمن والحبوب والجلود والفواكهة والأغنام والمواشي.


وفي ريمة كانت حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية طبيعية، جذورها الْطِيبَة والحب والتناغم والوئام ولايعرفون الحقد والغل والكراهية.

وكانت المرأة قوية واثقة الخطى تعيش وتعمل إلى جانب الرجل الذي يقدرها ولا يقلل من شأنها.

وفي ذلك اليوم ومنذ أن بدأنا رحلة الصعود نحو الجبال العالية تلون الكون وتجلت قدرة الخالق العظيم، بدأ الشفق عند الفجر يلون الوجود بألوانه الوردية والبرتقالية وغرقت الجبال في الصباح الباكر بالألوان القرمزية والبنفسجية وبغشاوة زرقاء جميلة، وعند التاسعة صباحا تلون الوجود واكتسى بالضباب الأبيض الشفاف.


وازدادت الحركة في الجبل وفي طريق القوافل القديم وكان هناك من يصعدون ويتجاوزون سرعتنا وهناك من يهبطون نحو الوادي.

وبفضل المثابرة التي لاتعرف الكلل والملل وصلنا إلى مدرجات البن إلى تلك الشجرة العجيبة التي سمعنا عنها كثيرا واصبحت من أمامنا ووثب زميلنا "محمد أحمد قائد" يلامس الشجرة ويلامس الثمار ويقول إنها درر حمراء ناضجة وكنا في حالة الإكتشاف الغريب والعجيب نتأمل الأشجار مبهورين وهي تحمل الحبوب بكثافة.


وتسللت من بين أشجار البن إمرأة جميلة، أجفانها مدعوكة بالكحل، وعقد الفضة حول عنقها وكانت نشوة غامضة تفيض من محياها المشع بالذكاء، وابتسمت تقول نحن نجني البن أي في وقت الحصاد.وقادتنا إلى سلال مملؤة بحبوب البن، وتبين لنا أن مجموعة من الرجال والنساء يشتغلون منذ الصباح في جني محصول البن في تلك المدرجات. وقدمت لنا المرأة قهوة القشر والقليل من الخبز واللبن الرائب. 

وسألنا المرأة أين مركز القضاء؟ وكم هي المسافة المتبقية حتى بلوغ "الجبين"؟ وقالت : تنتظركم مسافة ثلاثة ساعات من الصعود المتواصل حتى تصلون إلى آخر القرى الواقعة على الطريق ومن هناك سوف ترتفعون لمدة أقل من الساعة وستجدون "القشلة" أمامكم وتقصد القلعة العسكرية التاريخية ومبنى الحكومة.


وكنا نحن الثلاثة المدرسين قد بدأنا الصعود من "سوق رباط النهاري" عند السابعة صباحا ونتوقع الوصول إلى "الجبين" بعد صلاة الظهر. وأصبنا بالتعب والعطش والجوع عند الواحدة ظهرا، وقمة جبل "الجبين" لاتزال بعيدة محتجبة فوق السلاسل الجبلية التي ترتفع وترتفع ما أن ننتهي من صعود جبل حتى يطل علينا جبل آخر. 


وبنما كنا نستريح تحت ظلال إحدى الأشجار ذهبنا نبحث عن "المعين" وهو نبع الماء العذب الصافي، الذي قيل لنا أنه ماء ينهل بغزارة من جوف الجبل، في الإتجاه الآخر من الطريق.


 وتقدمنا نمشي، إنحرفنا نحو اليمين، وتفاجأنا بسماع أصوات الأهازيج الشعبية وقالوا لنا أنه موسم حصاد "العلان" والعلان هو العشب من الحشائش الخضراء والتي تترك لتزداد طولاط في موسم الأمطار وهي أشبه بحشائش جبال الحبشة والتي تعرفت عليها لاحقا.


وبدأنا نشاهد مجاميع الرجال وصفوف النساء اللواتي كن في المؤخرة، وانحنى صف الرجال يعمل ويلامس الأرض، بينما وقف صف النساء وانطلق صوت موحد، نغم شعبي، وأهزوجة من الألحان الشجية الطروبة والتي كانت تدغدغ عواطف الرجال وتشحن طاقاتهم للعمل.


 ثم انحنى صف النسوة يلامس الحشائش وبدأن العمل يشكلن "العلان" حزم طويلة من الأعلاف.


ووقف صف الرجال وانطلق اللحن يتردد بين الجبال، أهازيج معبرة عن الحب، وعن البذل والعطاء والشجاعة، وعن التعاون و مد، يد العون، وكانت هي ألحان الحياة التي تتردد وتنطلق من الحناجر المحتفلة بالخير الوفير، وشكروا الله في أشعارهم  خالق الوجود وواهب الحياة . 


وما كاد الرجال ينتهون من ترديد الاهازيج، حتى انحنوا مرة أخرى يعملون بصمت وعزيمة. وارتفع سجال النسوة نغم وطرب واهازيج، وكن يعاودن الوقوف صفوفا  يتتبعن مسيرة  الرجال في العمل والذين يستمرون مندفعون نحو الأمام.


 و"العلان" هو موسم من الحركة وفصل من فصول مهرجانات العمل الزراعي لجمع

 الأعلاف والحشائش التي تجود بها الجبال الخضراء والتي ليس لها مثيل.

والعلان هو موسم الغناء والطرب الذي  ينبعث تقليدا موروثا شجيا من الاهازيج الشعبية التي تبعث الحياة في القلوب لتستريح الأجساد المنهكة من أعمال الفلاحة والزراعة الشاقة والمضنية.


وفي ذلك اليوم وصل مهرجان العمل في حصاد "العلان"  إلى نهايته، ووقف الصفان صف الرجال وصف النساء وانطلقت الاهزوجة الجماعية أصوات مختلطة متناغمة ملأت جوف الأودية البعيدة.

 وكنا نحن في حالة من الذهول والشرود في صدمة الدهشة، ماذا يحدث؟ لقد كنا نشاهد مسرحا وأبريت غنائي في الهواء الطلق.


وتفرق جمع المشتغلون "بالعلان"  وذهب الرجال يستريحون تحت ظلال الشجر. لقد حان وقت الغداء وفي مثل تلك المهرجانات الشعبية يتحول الغداء إلى وليمة يأكل أثنائها الجميع.


وقام جمع النساء في إحضار أطباق الطعام والذي كان جاهزا بالقرب من كهف الجبل وتكونت مائدة مستديرة حضرها كل الرجال وبدأوا يتناولون الطعام وما أن رأوا  ينظرون نحونا نحن الثلاثة الغرباء من المدرسين حتى نادوا علينا بالجلوس إلى المائدة وفي الواقع كنا نحن ننتظر تلك الاشارة منهم وكان طعامهم ساخنا، الهريش والسلتة ثم الفتة بالعسل واللحم في نهاية المطاف.


وبالقرب من مائدة الرجال أقيمت مائدة النساء وشعرت حينها إننا ذاهبون إلى بلاد الولائم والمهرجانات والأعياد إلى تلك البلاد التي لم أر مثلها من قبل بل ظلت ذاكرة لاتنسى لسنوات طويلة وأنا أطوف الكثير من المدن والبلدات حول العالم.


وفي عام 1975 كانت ريمة تعيش الإزدهار الرغد أو هكذا وجدتها أنا وبيوت المشائخ والرعية من المواطنين مفتوحة للمدرسين الذين عاملوهم رسل العلم والعلماء...وهناك حكايات كثيرة عن ريمة وعن أهلها الطيبون

 Taher Abdulhak

بحث هذه المدونة الإلكترونية

google-playkhamsatmostaqltradent